فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين} الآية. أزال الله تعالى بها أحكامًا كانت في صدر الإسلام منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فذكر الله تعالى أنه {أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فجمع هذا أن المؤمن يلزم أن يحب النبي أكثر من نفسه حسب حديث عمر بن الخطاب، ويلزمه أن يمتثل أوامره أحبت نفسه ذلك أو كرهت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا أو ضياعًا، فعلي، أنا وليه، اقرؤوا إن شئتم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}» وقال بعض العلماء العارفين هو أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويؤيد هذا قوله عليه السلام «أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش» وشرف تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين في حرمة النكاح وفي المبرة وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات، قال مسروق قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، فقالت لست لك بأم وإنما أنا أم رجالكم. وفي مصحف أبيّ بن كعب {وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم} وقرأ ابن عباس {من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم} وسمع عمر هذه القراءة فأنكرها، فقيل له إنها في مصحف أبيّ فسأله فقررها أبيّ وأغلظ لعمر، وقد قيل في قول لوط عليه السلام: {هؤلاء بناتي} [هود: 78] إنما أراد المؤمنات، أي تزوجوهن، ثم حكم بأن أولي الأرحام أحق مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، فإنه كان بالمدينة توارث في صدر الإسلام بهذين الوجهين اختلفت الرواية في صفته وليس لمعرفته الآن حكم فاختصرته، ورد الله تعالى المواريث على الأنساب الصحيحة، وقوله تعالى: {في كتاب الله} يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ، وقوله تعالى: {من المؤمنين} متعلق ب {أولى} الثانية، وهذه الأخوة والهجرة التي ذكرنا، وقوله تعالى: {إلا أن تفعلوا} يريد الإحسان في الحياة والصلة والوصية عند الموت، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنيفة، وهذا كله جائز أن يفعل مع الولي على أقسامه، والقريب الكافر يوصي له بوصية، واختلف العلماء هل يجعل هو وصيًا، فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر في ذلك إلى السلطان بعض، منهم مالك بن أنس رضي الله عنه، وذهب مجاهد وابن زيد والرماني وغيره إلى أن المعنى إلى أوليائكم من المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد: ولفظ الآية يعضد هذا المذهب، وتعميم لفظ الولي أيضًا حسن كما قدمناه، إذ ولاية النسب لا تدفع في الكافر، وإنما يدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام.
و{الكتاب} الذي سطر ذلك فيه يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا، و{مسطورًا} من قولك سطوت الكتاب إذا أثبته إسطارًا ومنه قول العجاج {في الصحف الأولى التي كان سطرًا} قال قتادة وفي بعض القراءة: {كان ذلك عند الله مكتوبًا}.
{وَإذْ أَخَذْنَا منَ النَّبيّينَ ميثَاقَهُمْ وَمنْكَ وَمنْ نُوحٍ وَإبْرَاهيمَ وَمُوسَى وَعيسَى ابْن مَرْيَمَ}.
{إذ} يحتمل أن تكون ظرفًا لتسطير الأحكام المتقدمة في الكتاب، كأنه قال كانت هذه الأحكام مسطرة ملقاة إلى الأنبياء إذ أخذنا عليهم الميثاق في التبليغ والشرائع، فتكون {إذ} متعلقة بقوله: {كان ذلك في الكتاب مسطورًا} [الأحزاب: 6]، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل تقديره واذكر إذ، وهذا التأويل أبين من الأول، وهذا الميثاق المشار إليه قال الزجاج وغيره إنه الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر، قالوا فأخذ الله تعالى حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وبتصديق بعضهم بعضًا وبجميع ما تتضمنه النبوءة، وروي نحوه عن أبيّ بن كعب، وقالت فرقة بل أشار إلى أخذ الميثاق على كل واحد منهم عند بعثه وإلى إلقاء الرسالة إليه وأوامرها ومعتقداتها، وذكر الله تعالى: {النبيين} جملة، ثم خصص بالذكر أفرادًا منهم تشريفًا وتخصيصًا، إذ هؤلاء الخمسة صلى الله عليهم هم أصحاب الكتب والشرائع والحروب الفاصلة على التوحيد وأولو العزم، ذكره الثعلبي، وقدم ذكر محمد على مرتبته في الزمن تشريفًا خاصًا له أيضًا، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث»، وكرر أخذ الميثاق لمكان الصفة التي وصف بها قوله: {غليظًا} إشعار بحرمة هذا الميثاق وقوتها، واللام في قوله: {ليسأل} متعلقة ب {أخذنا} ويحتمل أن تكون لام كي، أي بعثت الرسل وأخذت عليها المواثيق في التبليغ لكي يجعل الله خلقه فرقتين، فرقة صادقة يسألها عن صدقها على معنى إقامة الحجة والتقرير كما قال لعيسى عليه السلام {أأنت قلت للناس} فتجيبه بأنها قد صدقت الله في إيمانها وجميع أفعالها فيثيبها على ذلك، وفرقة كفرت فينالها ما أعد لها من العذاب الأليم ويحتمل أن تكون اللام في قوله: {ليسأل} لام الصيرورة، أي أخذ المواثيق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا والأول أصوب، والصدق في هذه الآية يحتمل أن يكون المضاد للكذب في القول، ويحتمل أن يكون من صدق الأفعال واستقامتها، ومنه عود صدق وصدقني السيف والمال، وقال مجاهد {الصادقين} في هذه الآية أراد بهم الرسل، أي يسألهم عن تبليغهم، وقال أيضًا أراد المؤدين المبلغين عن الرسل وهذا كله محتمل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {النَّبيُّ أَولى بالمؤمنين منْ أنفُسهم} أي: أحقُّ، فله أن يحكُم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شيء، ودعتْهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعتُه أولى من طاعة أنفُسهم؛ وهذا صحيح، فإن أنفُسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، والرسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم.
قوله تعالى: {وأزواجُه أُمَّهاتُهم} أي: في تحريم نكاحهنَّ على التأبيد، ووجوب إجلالهنَّ وتعظيمهنَّ؛ ولا تجري عليهنَّ أحكام الأُمَّهات في كل شيء، إذ لو كان كذلك لَمَا جاز لأحد أن يتزوج بناتهنَّ، وَلَورثْنَ المسلمين، ولجازت الخَلوة بهنَّ.
وقد روى مسروق عن عائشة أن أمرأة قالت: يا أُمَّاه، فقالت: لستُ لك بأُمٍّ؛ إنَّما أنا أُمُّ رجالكم؛ فبان بهذا الحديث أن معنى الأُمومة تحريمُ نكاحهنَّ فقط.
وقال مجاهد: {وأزواجُه أُمَّهاتُهم} وهو أب لهم.
وما بعد هذا مفسَّر في آخر الأنفال إلى قوله تعالى: {من المؤمنين والمهاجرين} والمعنى أن ذوي القرابات بعضُهم أولى بميراث بعض من أن يَرثوا بالإيمان والهجرة كما كانوا يفعلون قبل النسخ {إلاَّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا} وهذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن فعلُكم إلى أوليائكم معروفًا جائز، وذلك أن الله تعالى لمَّا نسخ التوارث بالحلف والهجرة، أباح الوصية للمعاقدين، فللانسان أن يوصيَ لمن يتولاَّه بما أحب من ثلثه.
فالمعروف هاهنا: الوصية.
قوله تعالى: {كان ذلك} يعني نسخ الميراث بالهجرة وردّه إلى ذوي الأرحام {في الكتاب} يعني اللوح المحفوظ {مسطورًا} أي: مكتوبًا.
قوله تعالى: {وإذ أخذْنا} المعنى: واذكر إذ أخذنا {من النبييّن ميثاقهم} أي: عهدهم؛ وفيه قولان:
أحدهما: أخذُ ميثاق النبييّن: أن يصدّق بعضُهم بعضًا، قاله قتادة.
والثاني: أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته، ويصدّق بعضهم بعضًا، وأن ينصحوا لقومهم، قاله مقاتل.
وهذا الميثاق أُخذ منهم حين أُخرجوا من ظهر آدم كالذَّرّ.
قال أُبيُّ بن كعب: لمَّا أخذ ميثاق الخَلْق خصَّ النبييّن بميثاق آخر.
فإن قيل: لمَ خصَّ الأنبياءَ الخمسة بالذّكْر دون غيرهم من الأنبياء؟
فالجواب: أنه نبَّه بذلك على فضلهم، لأنهم أصحاب الكتب والشرائع؛ وقدَّم نبيَّنا صلى الله عليه وسلم بيانًا لفضله عليهم.
قال قتادة: كان نبيُّنا أولَ النبييّن في الخَلْق.
وقوله: {ميثاقًا غليظًا} أي: شديدًا على الوفاء بما حُمّلوا.
وذكر المفسرون أن ذلك العهد الشديد: اليمينُ بالله عز وجل.
{ليَسألَ الصادقين} يقول: أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين، وهم الأنبياء {عن صدقهم} في تبليغهم.
ومعنى سؤال الأنبياء وهو يعلم صدقهم تبكيت مكذّبيهم.
وهاهنا تم الكلام.
ثم أخبر بعد ذلك عمَّا أعدَّ للكافرين بالرسل. اهـ.

.قال القرطبي:

{النَّبيُّ أَوْلَى بالْمُؤْمنينَ منْ أَنْفُسهمْ} فيه تسع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ} هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكامًا كانت في صدر الإسلام؛ منها: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلّي على مَيّت عليه دَيْن، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن تُوُفّيَ وعليه دَين فعليّ قضاؤه ومن ترك مالًا فلورثته» أخرجه الصحيحان.
وفيهما أيضًا «فأيكم ترك دَيْنًا أو ضَياعًا فأنا مولاه» قال ابن العربيّ: فانقلبت الآن الحال بالذنوب، فإن تركوا مالًا ضُويق العصبة فيه، وإن تركوا ضياعًا أسلموا إليه؛ فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبيّ صلى الله عليه وسلم وتنبيهه؛ ولا عطْر بعد عَرُوس.
قال ابن عطية: وقال بعض العلماء العارفين هو أوْلى بهم من أنفسهم؛ لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو يدعوهم إلى النجاة.
قال ابن عطية: ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «أنا آخذ بحُجَزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحّم الفَراش».
قلت: هذا قول حسن في معنى الآية وتفسيرها، والحديث الذي ذُكر أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مَثَلَي ومَثَل أمتي كمثل رجل استوقد نارًا فجعلت الدواب والفَراش يقعن فيه وأنا آخذٌ بحُجَزكم وأنتم تَقَحّمُون فيه» وعن جابر مثله؛ وقال: «وأنتم تَفَلَّتُون من يدي» قال العلماء: الْحُجْزَة للسراويل، والمَعْقد للإزار؛ فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه.
وهذا مثل لاجتهاد نبيَّنا عليه الصلاة والسلام في نجاتنا، وحرصه على تخلّصنا من الهلكات التي بين أيدينا؛ فهو أوْلى بنا من أنفسنا؛ ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدوّنا اللعين بناصرنا أحقر من الفراش وأذلّ من الفَراش، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم! وقيل: أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أوْلى.
وقيل: أولى بهم أي هو أولى بأن يحكم على المؤمنين فينفذ حكمه في أنفسهم؛ أي فيما يحكمون به لأنفسهم مما يخالف حكمه.
الثانية: قال بعض أهل العلم: يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداءً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال: «فعليّ قضاؤه» والضَّياع بفتح الضاد مصدر ضاع، ثم جعل اسمًا لكل ما هو بصدد أن يضيع من عيال وبنين لا كافل لهم، ومال لا قَيّم له.
وسمّيت الأرض ضَيعة لأنها معرّضة للضياع، وتجمع ضياعًا بكسر الضاد.
الثالثة: قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} شرّف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين؛ أي في وجوب التعظيم والمبرّة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات.
وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات، ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثًا كأمومة التَّبنّي.
وجاز تزويج بناتهن، ولا يجعلن أخوات للناس.
وسيأتي عدد أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم في آية التخيير إن شاء الله تعالى.
واختلف الناس هل هنّ أمهات الرجال والنساء أم أمهات الرجال خاصة؛ على قولين: فروى الشعبيّ عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها: يا أمّة؛ فقالت لها: لست لك بأمّ، إنما أنا أمّ رجالكم.
قال ابن العربي: وهو الصحيح.
قلت: لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء، والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء؛ تعظيمًا لحقهن على الرجال والنساء.
يدلّ عليه صدر الآية: {النبي أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ} وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورةً.
ويدلّ على ذلك حديث أبي هريرة وجابر؛ فيكون قوله: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} عائدًا إلى الجميع.
ثم إن في مصحف أُبيّ بن كعب {وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم}.
وقرأ ابن عباس: {من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم}.
وهذا كلّه يوهن ما رواه مسروق إن صح من جهة الترجيح، وإن لم يصح فيسقط الاستدلال به في التخصيص، وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم. والله أعلم.
الرابعة: قوله تعالى: {وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ في كتَاب الله منَ المؤمنين والمهاجرين} قيل: إنه أراد بالمؤمنين الأنصار، وبالمهاجرين قريشًا.
وفيه قولان: أحدهما: أنه ناسخ للتوارث بالهجرة.
حكى سعيد عن قتادة قال: كان نزل في سورة الأنفال {والذين آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجرُوا مَا لَكُمْ مّن وَلاَيَتهم مّن شَيْءٍ حتى يُهَاجرُوا} [الأنفال: 72] فتوارث المسلمون بالهجرة؛ فكان لا يرث الأعرابيّ المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئًا حتى يهاجر، ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله: {وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ}.
الثاني: أن ذلك ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدّين؛ روى هشام بن عُروة عن أبيه عن الزبير: {وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ في كتَاب الله} وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم؛ فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخيت أنا كعب بن مالك، فجئت فوجدت السلاح قد أثقله؛ فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فرجعنا إلى موارثنا.
وثبت عن عُروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزّبير وبين كعب بن مالك، فارْتُثّ كعب يوم أُحُدٍ فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته؛ فلو مات يومئذٍ كعب عن الضّح والريح لورثه الزبير، فأنزل الله تعالى: {وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ في كتَاب الله}.
فبيّن الله تعالى أن القرابة أوْلى من الحلْف، فتركت الوراثة بالحلْف وورثوا بالقرابة.
وقد مضى في الأنفال الكلام في توريث ذوي الأرحام.
وقوله: {في كتَاب الله} يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ الذي قضى فيه أحوال خلقه.
و{منَ الْمُوْمنينَ} متعلق ب{أَوْلَى} لا بقوله: {وَأُوْلُو الأرحام} بالإجماع؛ لأن ذلك كان يوجب تخصيصًا ببعض المؤمنين، ولا خلاف في عمومها، وهذا حلّ إشكالها؛ قاله ابن العربي.
النحاس: {وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ في كتَاب الله منَ المؤمنين والمهاجرين} يجوز أن يتعلق {منَ الْمُوْمنينَ} ب{أُولُو} فيكون التقدير: وَأُولُو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين.